اقتصاد صفقات ملغومة ورشوة فــــي مجــال النفــط
ما حقيقة ثرواتنا النفطية ؟ كيف تنتج بلادنا الذهب الأسود وتتكاثر الحقول النفطية دون أن ينخفض تبعا لذلك سعر النفط وماحقيقة الفساد المنتشر في هذا القطاع؟ أسئلة حاولنا الإجابة عنها من خلال الاستعانة باراء الخبراء ورجال القانون الذين أماطوا لنا اللثام عن عديد الحقائق المفزعة.
في كل يوم يتفشى الفساد ويستفحل أكثر في مجتمعنا.. فالنظام السابق لم يصحر الحياة السياسية فقط بل لغـّم الإدارة خاصة بفيروس على ما يبدو لا نملك إلى الآن المضاد الحيوي لمقاومته ما دام المفسدون يحافظون على مواقع نفوذهم..
رضا مأمون خبير الطاقة الذي طالما أثارت تصريحاته ضجة، يصرّ بأنه لا يتجنـّى على أحد أو يصفـّي حسابه معه بل هو يذكر حقائق ومن يدعي زيفها عليه إثبات العكس.. ونحن نورد ما ذكره مأمون بكل موضوعية،
حول الفساد في قطاع النفط يقول محدّثنا «قطاع النفط وخاصّة أعمال الاستكشاف من القطاعات التي تحكم قبضتها عليه عصابات مافيوية، خاصّة فيما يتعلق بمنح رخص التنقيب.. وهي منظومة تبدأ من الرئيس السابق وأصهاره بمساعدة مديرين وخبراء بالشركة التونسية للأنشطة البترولية، وبالتالي وقع خلق شبكة فساد «قوية» تضمّ الكثير من الرموز التي ما زالت تباشر إلى الآن عملها في مواقع القرار»..
صفقة «ميسكار» الملغومة
ذكر رضا مأمون صفقة تورّطت فيها شركة «بريتش غاز» في أكبر حقل غازي بعرض سواحل صفاقس منذ عشرة أعوام. وهو حقل «ميسكار» الذي يؤمّن 50 بالمائة من احتياجات البلاد من الغاز الطبيعي.
ويؤكد رضا مأمون خبير الطاقة وصاحب مؤسسة وساطة في أعمال الحفر والتنقيب أن هذه الشركة أي «بريتش غاز» تعدّ من أبرز المتورّطين في أكبر عملية فساد شهدها قطاع النفط في تونس خلال التسعينات، حيث جعلتنا العملية نشتري الغاز الذي تنتجه بلادنا بسعر أسواق الغاز العالمية وقد تورّط في هذه الصفقة المشبوهة وزيران سابقان للطاقة.. ويؤكد مأمون أن على الحكومة الحالية ضرورة مراجعة عقود هذه الاتفاقية أو الصفقة التي لم تحدّد بمدّة زمنية حتى لا نكون مجبرين على شراء ما تنتجه أرضنا وبالسعر العالمي...
ويضيف رضا مأمون «من عمليات الفساد كذلك، عملية حقل الشرقي بقرقنة، التي جعلتنا نخسر مئات المليارات ونخسر كذلك حقوق الإنتاج وقد وقعت هذه الصفقة في ما بين 2004 و2005 وتورّط فيها وزير الطاقة السابق وأحد المسؤولين بالوزارة سابقا والذي أصبح اليوم أحد الوجوه المعروفة في حزب معارض..»
«أول رخصة تنقيب
دون رشوة..» !
وقد أكد رضا مأمون أن سعيه لكشف ملفات الفساد بالشركة الوطنية للأنشطة البترولية جعله عرضة لعقاب غير مباشر من الشركة حيث أنه ونكاية فيه وقع تعطيل المشروع الاستثماري الذي جلبه إلى تونس والذي تشرف عليه الشركة الأوكرانية المختصة في التنقيب «يوغ نفط وغاز» والتي كانت -حسب ما ذكره- أول شركة تحصل على رخصة تنقيب دون رشوة، بعد أن حظي مشروعها بموافقة كل اللجان المختصة في الغرض، وآخر لجنة موافقة على المشروع كانت لجنة المحروقات في 28 فيفري 2012، علما وأن الحفر سيكون بمنطقة «العريفة» قرب حقول البرمة، وتقدّر اعتمادات الاستثمار بـ22 مليارا بالإضافة إلى طاقة تشغيل في حدود 400 موطن شغل ,.
الأستاذة فوزية باشا العمدوني الباحثة في العقود النفطية الدولية: لا بد من مراجعة مجلة المحروقات ولهذه الأسباب لم يقع التمديد لبريتش غاز
وقد أفادتنا الباحثة التونسية في العقود النفطية الدولية والمحامية لدى التعقيب فوزية باشا عمدوني أن لتونس الحق والمشروعية الكاملة في مراجعة عقود النفط المبرمة وتعليق العمل بمجلة المحروقات الصادرة سنة 1999 معتبرة أن هذه المجلة ومن خلال ضعف نصوصها القانونية ساهمت في انتشار الفساد في قطاع المحروقات والتنقيب عن النفط في تونس داعية إلى تعليق العمل بها حاليا ومراجعتها حتى تضمن تونس نصيبها من العائدات النفطية.
وشددت الباحثة على ضرورة الاسراع بمراجعة العقود النفطية التي تم إبرامها بعد الثورة والتصدي الجدي لما وصفته بتواصل الفساد في قطاع الطاقة في تونس بعد 2011 موضحة أن لتونس كامل المشروعية والحق في مراجعة هذه العقود انطلاقا من الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد والاستئناس بما ورد في تقريري كل من إدارة المحاسبات الأخير ولجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة.وكشفت لنا الأستاذة فوزية الأسباب الحقيقية لرفض التمديد في . امتياز استغلال *ميسكار* وامتياز «صدربعل «باعتبار عديد الخروقات التي شابت هذا الملف .
مغالطات وإخلالات بالجملة
كشفت الأستاذة العمدوني لأخبار الجمهورية الأسباب الموضوعية والقانونية التي بسببها رفضت لجنة الطاقة التمديد لشركة بريتش غا ز كاشفة لنا الخروقات في رخصة البحث أميلكار امتيازميسكار وامتياز صدر بعل المملوكتين لبريتش غاز .
الخروقات الخاصة بامتياز صدربعل
تم اسناد امتياز استغلال حفر «صدربعل» المتأتي من رخصة البحث «أميلكار» لفائدة شركة «بريتش غاز» والمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية بتاريخ 18 جانفي 2007. وبلغت الكلفة الجملية لعمليات استكشاف هذا الحقل 100 م دولار يضاف إليها 1311 م دولار كتكلفة تطوير إلى موفى سنة 2010 خصت اساسا لحفر أربعة آبار بكلفة ناهزت 480 م دولار ولتركيز لمعالجة الغاز بقيمة 398 م دولار.
وتعرضت عملية حفر البئر الرابعة إلى العديد من الصعوبات التقنية متسببة في ارتفاع كلفة انجازها من 50 م دولار إلى 250 م دولار وهو ما يعكس ضعفا في قدرة المؤسسة على التأثير في القرارات التقنية للمشغلين، حيث تبين من خلال محاضر اللجان الفنية للشراكة أنه سبق للمؤسسة أن حذرت شركائها من امكانية انسداد البئر. وبالرغم من عدم تقيّد المشغل بتوجيهات المؤسسة فإنها لم تسع إلى تفعيل الفصل 26 من عقد الشراكة الذي يتيح لها صراحة امكانية اللجوء إلى خبير خارجي لفض النزاع أي نزاع تقني .
على صعيد آخر، ينص عقد الشراكة على تولي شركة» بريتش غاز « التكفل بعملية تشغيل حقل صدر بعل لمدة 3 أشهر بعد انطلاق الانتاج الفعلي للغاز على أن يتم إحداث مؤسسة مشتركة بين الطرفين لتأمين التشغيل اليومي للحقل. وقد لوحظ في هذا الخصوص بأن المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية وافقت على منح «بريتش غاز» فترة إضافية بسنين تتولى خلالها تشغيل الحقل بمفردها بكلفة جملية تناهز 90 م دولار على أن يتم الحرص على انشاء الشركة المتناصفة في أقرب الأجال. وبالرغم من دخول هذا الحقل حيّز الانتاج منذ ديسمبر 2009 فإنّه لم يتمّ احداث هذه الشركة المتناصفة إلى موفى نوفمبر 2011.
من ناحية أخرى، تمّ بمقتضى اتفاق صادقت عليه سلطة الاشراف بتاريخ 15 سبتمبر 2006 انجاز وحدة معالجة الغاز المسيل في إطار مشروع صدر بعل.ويهدف هذا الاتفاق إلى اسناد شركة «بريتش غاز» مهمة انجاز وتمويل هذه الوحدة عبر تمكينها من امتياز جبائي تم إقراره في جلسة عمل وزارية يتمثل في الترخيص لها في إعادة استثمار المدخرات التي تندرج في إطار امتياز «ميسكار».
وبلغت الكلفة الجملية لهذا المشروع حوالي 345 م دولار علما أنه تمّ الاتفاق على أن تتحمل المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية كلفة معالجة حصتها من الغاز المسيل المنتج على مستوى امتياز «صدر بعل» على أن لا تتعدى هذه الكلفة سعر بيع الغاز المسيل طيلة سبع سنوات من الاستغلال. وفي حالة عدم تمكن الشركة المستغلة لهذه الوحدة من تحقيق نسبة مردودية تعادل 10 % في نهاية الفترة المعينة يجب على الشركة التونسية للأنشطة البترولية تسديد العجز المسجل في المردودية لتصبح بالتالي شريكا في هذا المشروع بما في ذلك المعدات والمنشآت.
ولئن بررت المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية عدم مشركتها في انجاز هذه الوحدة بضعف المردودية المنتظرة فإن التحاليل المالية المجراة أثبتت المردودية المرتفعة لهذا المشروع، حيث بلغت العمولات المدفوعة من قبل المؤسسة إلى شركة «بريتش غاز» إلى غاية نوفمبر 2011 حوالي 29 م دولار، وتبعا لهذا النسق يتوقع أن تبلغ القيمة الجملية للعمولات في نهاية فترة السبع سنوات 252 م دولار أي ما يمثل 73 % من قيمة الاستثمار المنجز. وناهز رقم معاملات المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية المتأتي من مبيعات البروبان والوتان المنتج في مستوى هذه الوحدة 42 م دينار في موفى أكتوبر 2011 وهو ما يغطي كلفة العمولات المدفوعة.
وتبيّن أنه لم يتم اخضاع العمليات المتصلة بانجاز هذا المشروع إلى المتابعة والرقابة المسبقة للمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية حيث تم الاتفاق على اجراء رقابة لاحقة للانجازات التي تم التعهد بها من قبل شركة «بريتش غاز» وهو ما لا يضمن التحكم في كلفة الانجاز والنجاعة الضرورية على مستوى الاستغلال.
غياب الرقابة
على مستوى الفوترة
ومن جهة ثانية تم كذلك الكشف عن العديد من الخروقات في خصوص الرقابة على الكميات المفوترة ذلك أنه يتوجب قانونا في مجمل عقود شراء الغاز تركيز تجهيزات للقيس من قبل البائع واحيانا يقع التنصيص على ضرورة تركيز تجهيزات قيس موازية من قبل المشتري للتأكد من الكميات المفوترة إلا انه لوحظ أن الشركة التونسية للكهرباء والغاز لا تتوفر لديها تجهيزات قيس كميّة موازية في أكثر من 50 % من حقوق انتاج الغاز المزودة لها هذا وقد تم معاينة جهاز القيس «الكرماتوقراف «الخاص بحقل ميسكار والذي تعطب منذ سنة 2005 ولم يقع اصلاحه إلى غاية جويلية 2011 .
هذا وقد نص عقد شراء الغاز لحقلي ميسكار وصدر بعل على تفقد قطر المزاحف المعتمد لاحتساب كميات الغاز كل سنة على الاقل إضافة أنه لم يقع احترام هذا البند خلال الفترة 2009-2010.
أما على مستوى إجراءات الفوترة فقد أبرزت مراجعة التقارير اليومية استلام الغاز بحقل ميسكار لسنتي 2009 و 2010 أن عمليات احتساب الكميات المسلمة لا تتم احيانا حسب الإجراءات المقررة مما كلف الشركة اعباء اضافية قدرت بمبلغ 30 ا.د كما تم الكشف أن مسؤولي مصالح النقل بحق ميسكار وبعض الحقول الاخرى يقومون بتغييرات على تقارير الاستلام الشهرية بعد التفاوض من المزودين دون توثيقها واعلام الادارات المركزية بها,
وقد امتنعت شركة برتيش قاز عن مد الشركة التونسية للكهرباء والغاز بتوقعات الانتاج بالنسبة لحقل صدر بعل لسنة 2011 إلى حدّ تاريخ 15 جويلية 2011 خارقة بذلك لبنود العقد التي تنص صراحة على ان «المزود ملزم باعلام المشتري بحجم الانتاج التعاقدي للثلاث سنوات المقبلة وذلك في أجل لا يتعدى شهر اكتوبر من السنة التي تسبقها» ، الامر الذي نتج عنه عدم امكانية احتساب قصور الانتاج الشهري الحاصل على مستوى عقد التزويد خلال سنة 2011 وبالتالي فوترة اعبائه لشركة بريتش قاز والمؤسسة التونسية للانشطة البترولية.
عدم احترام مقتضيات مجلة المحروقات في خصوص الرخص
كما تمت ملاحظة مخالفة مقتضيات الفصل 30 من مجلة المحرقات بالنسبة للتمديد في صلاحية رخص البحث ذلك أنه تم التصرف في الرخص لفترات اضافية لتمكين اصحابها من استكمال الاعمال المنوطة بعهدتهم دون استصدار قرار من الوزير المكلف بالنصاعة إضافة الى التمديد المتتالي لصلاحية عدد من الرخص مثل رخصة البحث اميلكار في حين ان مجلة المحروقات حددت السقف الاقصى لتجديد رخص البحث بمرتين فقط.
وأول هذه الخروقات هو عدم تركيز مصلحة للدارسات في مجال الغاز لدى الادارة العامة للطاقة (بصفتها المشرفة والمؤتمنة على قيادة منظومة قطاع المحروقات)رغم التنصيص عليها ضمن الامر المنظم لوزارة الصناعة هذا فضلا على عدم تفعيل دور المجلس الوطني للطاقة المحدث بمقتضى الامر عدد 2113 المؤرخ في 27 سبتمبر 1999 والذي أوكلت إليه مهمة إبداء الرأي حول التوجّهات الوطنية في ميدان الطاقة واقتراح التدابير الهادفة إلى تطوير القطاع.
احتكار شركة بريتش غاز لحقل ميسكار وغياب اي رقابة
ورغم تطور الاسعار العالمية للمحروقات فإنه في تونس لم يقع تحديد سعر مرجعي يتم عند بلوغه تطبيق صيغة لتقاسم الارباح الاضافية مثلما تم بالجزائر كما لم تحتو العقود المبرمة مع اصحاب الامتيازات في تونس على اي بنود من شانها ان تمكن الخزينة من الاستفادة من تطور الاسعار العالمية للمحروقات، واعتمادا على ملحق العقد المبرم مع شركة بريتش غاز سنة 2000 بخصوص حقل ميسكار الذي لم يقع «تعديله» فقد تحملت الشركة التونسية للكهرباء مبالغ إضافية خلال الفترة الممتدة من سنة 2000 الى سنة 2010 بما قيمته 1.649
عبد اللطيف العبيدي